«الكنز».. قصة قصيرة للكاتب محمد محمود غدية

ارشيفية
ارشيفية

عاودتها آلام الكلى، بكت بشدة حين تذكرت زوجها الذى رحل فجأة دون مقدمات لمرض، كان خفيفا كالنسمة لطيف المعشر، ابتسمت حين تذكرت دعاباته قائلا :

كل من يراك فى صحبة ابنتك يقول عليكم:  إخوات  !

 تعيش الوحدة وتتجرع المرارة دونه، حتى الأبناء زياراتهم متباعدة كل منهم مشغول بأسرته، حتى الهاتف أصابه الصمت، حجرات المنزل تضيق بها إلى حد الاختناق

الشيخوخة أقعدتها وأثقلت قدميها، وكأنه لا يكفيها الضجر والوحدة، الأبناء هم الثروة والدفء والأمان والونس، تفتح ألبوم الذكرى تراهم يتقافزون حولها تدمع عيناها، تساقطت منهم المودات والحب وأبدا لم يقل حبها لهم،

-  قررت أن تهاتفهم لابد من حضورهم لأمر هام لا يحتمل التأجيل، وبالفعل حضر الجميع الأولاد والبنات والأحفاد، قالت لهم:

   طلبت رؤيتكم لتكتحل عيونى بكم قبل مغادرتى الدنيا، طلبت رؤية ابنتها الكبيرة وحدها، فقد خصتها بمفتاح الكنز الذى حفظته سنوات لأجلها على أن لا تخبر أخواتها بهذا السر، وما قالته لابنتها الكبيرة، قالته لباقي أولادها، والاحتفاظ بالسر، الذى لا يعرفه الأبناء، أن الأم استخرجت نسخ عديدة لمفتاح الكنز، تحول المنزل إلى خلية نحل كيف لا وكل منهم يرى أن الأم خصته بالكنز وحده دون الآخرين!

 يحاولون جاهدين كسب رضاء الأم للفوز بالكنز، يتسابقون فى إعداد الطعام وشراء الدواء،

امتلأ البيت بالدفء، وتسرب الملل والضجر، وترحل الأم فى سلام بين دفء الأبناء، وكانت المفاجأة فى تجمعهم أمام الكنز، واكتشافهم أنه لم يكن سرا، الجميع يحمل نفس المفتاح،  الكنز عبارة عن صندوق كبير بداخله مصحف ورسالة اعتذار لطلبها رؤيتهم لتأنس بهم، على أن يتحابوا ويقترب بعضهم البعض، الإنسان حين يصيبه جرح، يصرخ مناديا:  أخ  ! 

الإخوة هى الرابطة التى لا تعوض وحزمة الأمان.